الشبهة(14) :قولهم: نحن ندخل «الانتخابات» ونرتكب أخف الضرريْن



يقولون: نحن نشارك في «الانتخابات» وهي شرٌّ، ولكننا نرتكب أخف الضررين، لتحقيق مصلحة كبرى!
فنقول:
أخف الضررين عندكم المشاركة في المجالس النيابية. وإليك بيان هذا الضرر الخفيف عندهم:
سؤال 1: من الحاكم في مجلس النواب: الله أم البشر؟

الجواب: البشر.
سؤال 2: إذا كان حكم البشر هو السائد في المجالس النيابية، فهل هذا شرك أكبر أم أصغر؟
الجواب: شرك أكبر.
سؤال 3: ولماذا كان شركًا أكبر؟
الجواب: لأن حكم الله معطّل، وهناك من لم يقرّ بحاكمية الله عز وجل، وإنما الحكم للأغلبية.
وقد تقدم أن المجالس البرلمانية الحاكم فيها هو البشر، بل يُردّ حكم الله ويُعترض عليه، فهذا شرك أكبر بلا شك. وإذا كان شركًا تصادر فيه شريعة الله، فهل بقي ذنب أكبر من الشرك الأكبر أو الكفر الأكبر الذي يقول الله تعالى فيه: { إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا } النساء.
فلما كان الشرك – وهو أعظم الذنوب – لا يغفر الله لصاحبه إذا مات عليه، والرسول صلى الله عليه وسلم سُئل: أي الذنب أعظم؟ قال: «أن تجعل لله ندًّا وهو خلقك» قيل: ثم أي؟ قال: «أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك..». الحديث متفق عليه من حديث عبد الله بن مسعود.
فاتضح لنا أنهم في بعض الحالات قد يفعلون شركًا أكبر، وليس هو بأخف الضررين، وقد قال الله سبحانه وتعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ }. فهذا حكم الله فيمن والى اليهود والنصارى.
وقال الله: { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ} النساء.
لم يقل سبحانه: ما عليكم من شيء، ولم يقل: إلا الأحزاب الإسلامية، فإن ذلك مشروع لهم.
ونقول لهم: هل سألوا العلماء عن الشر الذي ارتكبوه؟ وهل وضّحوا لهم حقيقة هذا العمل؟ أم أنهم يغالطون العلماء؟
إذن هذه القاعدة استعملت في غير محلها.
صحيح أنه يُرْتَكَب بعض الشر لتحقيق مصلحة كبرى، كما حصل أن الصحابة نظروا إلى عانة أولاد اليهود – يهود بني قريظة – من أجل أن يعرفوا من كان قد أنبت فيُقتَل ومن لم يُنبِت فلا يُقتل.. وما أشبه ذلك، لكن اتضح لنا أن القاعدة لم تطبق على حقيقتها.
وهذه مصيبة الأحزاب الإسلامية، أنهم يطبقون الأشياء على أهوائهم، فيُحْرَمُون من الاتِّباع، والتوفيق من الله.
ثم ما هي المصلحة الكبرى على حد زعمهم التي حققوها؟ فقد عرفنا الشر الذي وقعوا فيه، فنريد أن نعرف المصلحة؛ لأنهم قالوا: سيحققون مصلحة كبرى.
الجواب: أن الواقع من مدة ستين عاماً، يثبت لنا أنهم ما حققوا مصلحة كبرى للإسلام كما زعموا.
أما قولهم: إنهم دخلوا في «الانتخابات»، وارتكبوا أخف الضررين، من أجل أن يقيموا دولة الإسلام، ويحكموا بالشريعة الإسلامية، وذلك على حد زعمهم.
فهل تقام الشريعة مع أن المجتمع ليس عنده أهلية لذلك؟.
جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما، في قصة هرقل عندما أخبره أبو سفيان عن أوصاف الرسول صلى الله عليه وسلم عن طريق عظيم بُصْرى، فلما قرأ هرقل كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال – أي هرقل -: «يا معشر الروم، هل لكم في الفلاح والرشد، وأن يثبت ملككم، فتبايعوا هذا النبي»؟. فحاصوا حيصة الحمر إلى الأبواب، فوجدوها قد غلقت، فدعاهم هرقل، وقالوا: «أنا أريد أن أعرف شدتكم على دينكم، فسجدوا له». الحديث في (الصحيحين).
والشاهد في الحديث أن هرقل مع كونه ملكًا، لم يستطع أن يرغم قومه على الدخول في الإسلام، باعتبار أنه ملك وبيده السلطة، وهكذا النجاشي أسلم، ونزلت فيه آيات، منها قوله تعــالى: { وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ..} المائدة. كما في (الصحيح المسند من أسباب النزول) لشيخنا / مقبل بن هادي الوادعي يحفظه الله، ولمّا مات ما وُجِد من يُصلي عليه، وإنما صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، والنجاشي ملك النصارى في الحبشة.
فليس من صعد على الكرسي أقام الإسلام ولا بد، هذه قضية فيها مجازفة وعدم فقهٍ للواقع.
فلا بد من إصلاح المجتمع قبل الوصول إلى الحكم، وقد قيل للأحزاب الإسلامية: تعلموا العلوم الشرعية، فما وُفِّقوا لهذا الخير.
وقيل لهم: علّموا الناس الدين، ولا تعلّموهم الأطماع، فما وُفِّقوا لهذا الخير.
لقد رأينا كثيراً من الإسلاميين عندما تمكنوا من بعض الوزارات، يلتزمون بالنظام والقانون الوضعي أشد من غيرهم، وإذا قيل لهم: هل أمر الله بهذا؟ قالوا: «هذا النظام» !.
فأين تغييركم للفساد الذي أرهقتم أسماع الناس به، واستترفتم به أموالهم، وصرفتموهم عما هو أنفع من الاعتصام بنشر السنة والتحذير من البدع ؟ {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} . 

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites