الشبهة(13) : قولهم: دخولنا «الانتخابات» للضرورة



 والجواب:
الضرورة مشتقة من الضَّرَر، وفي الاصطلاح: قال الزركشي: «الضرورة بلوغه حدًّا إن لم يتناول الممنوع هلك أو قارب»، وهو من المنثور في القواعد.
وعرَّفها غيره بقوله: «هي أن تطرأ على الإنسان حالة من المشقة والخطر والشدّة، بحيث يخاف حدوث ضرر أو أذى بالنفس أو بالعضو أو بالعِرْض أو بالعقل أو بالمال وتوابعها».

وينبغي عندئذٍ – أو يباح - ارتكاب محرم، أو ترك واجب، أو تأخيره عن وقته، دفعًا للضرر عنه في غالب ظنه، ضمن قيود شرعية.
وهذا تعريف جامع لا مزيد عليه.
قلت: هناك فرق بين الضرورة والمصلحة، حيث أن المصلحة أعم، والضرورة أخص، فالضرورة تكون عند حالة شديدة وخشية ضرر، كما رأيت.

القرآن يبين الضرورة:

قال الله تعالى: { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِِّثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } المائدة.
فهذه المحرمات أُبيح أكلها عند اشتداد جوع الذي يخشى على نفسه الهلاك، وقد جعل الله شريعته قائمة على اليُسْر، ورفع الحرج في مجالات كثيرة، لا يتسع الوقت لذكرها.
فما هي الضرورة التي جعلت أصحاب «الانتخابات» يختارون هذا الطريق؟
هم يقولون: نحن مضطرون، وإن لم نفعل فسيسحبونا بلحانا، ويمنعونا من إقامة الإسلام، حتى من الصلاة في المساجد، وتعليم القرآن وعدم السماح بالخطب والمحاضرات.. إلى آخر ما يقولونه.
ومن جهة ثانية: أن الضرورة شرعت لإزالة الضرر، فهل سيزول الضرر الذي بالمسلمين، بدخولكم في المجالس البرلمانية؟
فإن قالوا: نعم، فهذا غير صحيح، وخذ مثالاً على ذلك، وهو: أن الرئيس/ أنور السادات في آخر حكمه اعتقل عشرات الآلاف من الإسلاميين، وكان يوجد في مجلس الشعب المصري كتلة برلمانية لهم، فلم يستطيعوا أن يعملوا شيئًا، وكذلك في السودان عندما اعتقل النميري الإسلاميين، وكان من الإسلاميين مستشارون له في أعلى قمة السلطة، فلم يستطيعوا أن يعملوا شيئًا، إذ أن أحوال المسلمين هي هي، ولم يحصل إلا زيادة شر في أماكن، وقلة شر في أماكن أخرى.
إذن هذا الأمر الأول يبطل الاحتجاج بأنها ضرورة، وذلك أن الضرورة شرعت لإزالة الضرر، وهنا لم يحصل، وها هي ستون سنةً قد مضت على هذه الأقوال، ونحن نجد الأمور كل يوم تزداد سوءًا، حتى في سلوك القائلين بذلك.
والظاهر أن إخواننا سامحهم الله، وقفوا في عدة خنادق، فإن أُحيط بهم في خندق، صاحوا من آخر، فأول ذلك أنها شورى، ثم مصلحة مرسلة، ثم أخف الضررين، ثم ضرورة وإكراه.
فإن لم ينفع هذا كله، فالجواب منهم: ماذا تريدون أن نفعل؟! أنترك الأمور لأعداء الإسلام؟! واستطردوا من الأمثلة العقلية غير الصحيحة، وإلا فالعقل الصريح لا يناقض النقل الصحيح، كما بين ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.
ومن لم تنفعه الأدلة، ولم ينفعه واقع المسلمين في هذه المجالس النيابية منذ أكثر من نصف قرن، وهم ينحدرون فيها إلى الأسفل، فلا يبالي بالأدلة المذكورة هنا، إلا أن يشاء الله عز وجل،  وإلى الله المشتكى.
وأما قولهم: «وإن لم نفعل فسيسحبونا بلحانا..» إلخ.
فجوابه:
من المعلوم أن الله جعل العداوة بين أهل الحق وأهل الباطل، وقد يسلّط الله أهل الباطل على أهل الحق. فالواجب على أهل الحق الصبر، ولا يجوز لهم أن يسلكوا طرقًا غير مشروعة، من أجل مقاومة الأعداء. 

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites