( وهذه الدعوة أيضاً مما ينعق به خصوم الشريعة، ويقولون إن تحكيم الشريعة يقعد بنا عن ملاحقة التطور والوفاء بمقتضياته، لأن الشريعة أساسها الدين، والدين ثابت لا يتغير، ولكن الحياة في تغير دائم وتحول مستمر فأنى للجامد الثابت أن يحكم المتحول
المتغير ويفي بحاجاته؟ ولذلك يرون أن من الخير للدين أن يبقى عقيدة في الحنايا، وشعائر في دور العبادة، وأن يترك قيادة الحياة إلى نظم وضعية تستلهم من واقع الحياة المتجدد والمتطور وتفي بمقتضيات المدينة الحاضرة وهذه الشبهة تقوم على محورين: - ثبات أحكام الشريعة فلا مجال فيها للتجديد بوجه من الوجوه.
- تطور أوضاع الحياة فلا مجال فيها للثبات بوجه من الوجوه.
وكلا الأمرين في إطلاقه على هذا النحو وهم وخرافة ؟!
فأحكام الشريعة منها ما هو ثابت ومنها ما هو متغير، وأحوال الحياة وأوضاع البشر منها ما هو ثابت ومنها ما هو متغير كذلك.
فإن أرادوا التجديد في الثوابت والقطعيات التي حسم فيها الشارع الحكيم بنصوص محكمة قاطعة فقد خابوا وخسروا، وإن دون ذلك الردة عن الإسلام!! لقد حرّم الله الزنا، فإذا جاءت القوانين الوضعية تبيحه لمن بلغ سن الرشد القانونية تحت دعوى التطور والحرية الشخصية فذلك خسران وردّة، ولقد حرّم الله الخمر ، فإذا جاءت القوانين الوضعية بإباحتها مسايرة للأوروبيين، وملاحقة للمدنية، وتقديساً للحرية الشخصية، فإن ذلك خسران وردّة، ولقد حرم الله الربا والميسر، فإذا جاءت القوانين الوضعية بإباحته لاعتبارات اقتصادية أو ملاحقة للتطور والمدنية فإن ذلك خسران وردّة!! فما حرمه الله ورسوله فهو حرام إلى يوم القيامة، وما أحله الله ورسوله فهو حلال إلى يوم القيامة، وكما لا يملك الإنسان تغيير أمر الله الكوني لا يحلّ له تبديل أمر الله الشرعي، وكما أن الخلق كله لله فإن الأمر كله لله: { أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف:54].
وإن أرادوا تجديد الاجتهاد في الظنيات ومسائل الاجتهاد بما يحقق المصالح البشرية ولا يخرج على الأدلة الشرعية فذلك حق، على أن يتم بضوابطه وأن يمارس من أهله، حتى لا يصبح دين الله نهباً لكل عابث أو جهول، وإن قواعد الشريعة وأصول الاجتهاد فيها ما يلبي هذه الحاجة، ويحقق مصالح العباد أتم تحقيق في إطار من الحق والعدل، وهل جاءت الشريعة ابتداءً إلا لتحقيق مصالح العباد وإرشادهم إلى ما يكفل لهم الحياة الطيبة في الأرض والفوز بجنة الخلد ونعيم الأبد في الآخرة ) .
0 التعليقات:
إرسال تعليق