قطع يد السارق عقوبة عادلة أم جائرة؟


استتباب الأمن في مجتمع من أجلِّ النعم ، ما أعظم أن يتحرك الإنسان كيف يشاء دون قلق على دمه أو ماله أو عرضه! عندما دعا إبراهيم ربه للبلد الذي أسسه ، طلب له أمرين اثنين ، رزقاً مكفولاً وأمناً مستقراً ، وقدم الأمن على الرزق وهو يسأل الله حاجته (رب اجعل هذا بلداً آمناً وارزق أهله من الثمرات ..).
ولكي يشيع الأمان ، ويطمئن كل إنسان ، شرع الله شرائع كثيرة ، من أهمها حد السرقة ، إن السرقة جريمة جديرة بالمطاردة والاستئصال ، ووجودها مثار ضيق وقلق فكيف إذا شاعت؟!
تصور عاملاً يكدح طوال الشهر ، يسعى على أهله وولده ، قبض مرتبه الذي يرقبه بشوق وعاد إلى بيته وهو يفكر في سداد الثغرات الكثيرة التي تنتظره ، ولكن يداً آثمة امتدت في الطريق إلى ماله فسرقته ، ماذا يقول وما يفعل؟ وكيف يترك هذا اللص يحصد في لحظات حصاد الآخرين في أيام طوال؟
وأعرف موظفاً تغرب عاماً أو عامين ليؤسس بيتاً يتزوج فيه فإذا اللصوص ينقبون البيت ويستولون على كل ما أثل وهيأ!
وفلاحاً باع محصول زراعته ولم يهنأ بالثمن الذي ناله ، لأن اللصوص أخذوه منه!
... وهكذا يأكل القاعد الخبيث من كدح العامل المرهق.
وهؤلاء الشطار اللئام يستولون على أموال الآخرين فيتوسعون في إنفاقها ويبعثرونها في لذاتهم دون حذر لأنهم ما تعبوا في كسبها.
لا ريب أن المجتمع المحترم بجب أن يخلص من هؤلاء ، وأن يرصد لهم العقوبة التي تقطع دابرهم ، وتروع قريبهم وبعيدهم.
الأيدي في نظر الإسلام ثلاثة:
يد عاملة ، وهذه حقها أن تكافأ وتصان وتشجع ، ومن حقها أن يضمن لها سعيها وأن تذاد عنه الآفات ، وأن تهنأ به دون متطفل سمج يفتات عليه.
ويد عاطلة ، وهذه حقها أن تجد العمل الذي يشغلها ، وأن توفر لها أسباب العيش الشريف ، وأن تأخذ حقها الطبيعي في الحياة ، ولا يجوز أن نلجئها إلى طلب القوت عن طريق التسول أو التلصص.
ويد فاسدة ، وهي اليد التي عزفت عن العمل الشريف ، وانبسطت للناس بالأذى ، وعز علاجها مع وفرة التعاليم الدينية التي تغري بالحلال وتنفر من الحرام ، ماذا يصنع الإسلام لهذه اليد إلا أن يقطعها ليريح منها صحبها ويريح المجتمع كله من فسادها؟
ونسأل الذين يستبقون هذه اليد ويأبون الخلاص منها ماذا تبغون من تركها؟ ربما قالوا: نكفها عن الأذى بالسجن حيناً ثم نتركها. ونقول: فإذا خرجت من السجن لتستأنف السرقة وإنزال الفواجع بغيرها ، أنتركها للأبد؟
لا يقول بهذا رجل مخلص للناس ، غيور على كرامتهم المادية والأدبية! ومسألة التريث أو التعجل في إقامة الحد ليست موضع الخلاف بيننا وبين الشاغبين على العقوبات الإسلامية ، فإن الحد لا يقام ? ديناً ? إلا بعد أن يستريح ضمير القاضي إلى ما يحكم به ، وهو لن يحكم على جائع محرج ، ولن يبتَّ الحاكم في قضية أحاطت بها شبهة.
إن اليد التي تقطع هي اليد التي ظلمت المجتمع ، لا اليد التي ظلمها المجتمع ، قال تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من الله ، والله عزيز حكيم ، فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه).
والبلاد التي نفذت قطع السارق هدأت أحوالها ، وسادتها طمأنينة كاملة وأغناها قطع يد واحدة عن فتح سجون كثيرة يسمن فيها المجرمون ، ثم يخرجون أشد ضراوة وأكثر قساوة.
والسطو على مال الغير جريمة فيها قابلية النماء والتجدد ، وتتحول من رغبة في المال الحرام إلى جراءة على الدم الحرام ، وما أيسر أن يقتل اللص من يعترض طريقه وهو يسرق ، سواء أكان المعترض حارس الأمن ، أو صاحب المال.
ويغلب أن يتعاون اللص مع اللص في إدراك مأربه ، ومن هنا تتكون العصابات التي تقطع الطريق ، أو التي تتقاسم المهام في إتمام أعمال السلب والنهب ، والسجون ساحات ممهدة لدراسة هذه المعاصي وإحكام خطتها. وطبيعي أن يتضاعف العقاب مع استفحال الجرم على هذا النحو.
وقد سمعنا بأنباء السطو المسلح على السيارات والقطارات ، أو على الحقول والمتاجر.
والغريب أن بعض الناس يتعاطف مع هؤلاء القطاع ويحاول تخفيف عقوباتهم ، وإني لشديد الريبة في ضمائر هؤلاء المدافعين ، وأكاد أقول: ما يعطف على اللص إلا لص ، ولا على القاتل إلا قاتل.
وقد حسم الإسلام اللجاجة في مجازاة أولائك العابثين ، قال تعالى: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقَتَّلوا أو يصَلَّبوا أو تُقَطَّع أيديهم وأرجلُهم من خِلافٍ أو يُنفوا من الأرض ، ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم ، إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم).
وهنا ثلاثة أمور لا بد منها:
أولها: أنه لا بد من الحفاظ على أموال الناس ، وإقامة سياج منيع حولها ، ورفض اشتهاء القاعدين الحصول عليها بالأساليب المعوجة ، والحدود السماوية ضمان أكيد لهذا المعنى.
ثانيها: لا مكان للرحمة بمثيري الفوضى ومهدري الحقوق ، فإنَّ تَرك هؤلاء فتح لأبواب العذاب على المجتمع كله ، وإغراء بالظلم ، وإسقاط للقيم.
ثالثها: عندما يكون الانحراف خطأً عارضاً ، فالشارع أول المنادين بإقالة العثرات ، وتيسير المتاب ، وهو القائل: أن يخطئ الإمام في العفو خير من أن يخطئ في العقاب.
لكن البون شاسع بين تعطيل الحدود ، والتدقيق في إيقاعها.
وهناك من يكذب ، فيقول: إن القطع أوجد جمهوراً من العاطلين العاجزين عن العمل ، وهذا اجتراء غريب فإن القطع خلال أربعة عشر قرناً نفع ولم يضر ، ولم يحس المجتمع بوجوده إلا على ندرة ، لأن الإرهاب بالقطع صرف اللصوص عن السرقة ، وأغراهم بالبحث عن كسب معقول.

 

..



0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites