الشبهة(7) : قولهم: دخلنا الانتخابات وما قصدنا إلا الخير




 ويريدون أن يقولوا: ليس علينا إثم لحسن نياتنا، وصلاح مقصدنا؛ لأننا لا نريد إلا نصرة الإسلام.
ولكن نقول لهم:
كم من مريد للخير لا يصل إليه، ولا يوفّق له بسبب اقتصاره على النية الطيبة، وإهماله للبحث عن الحق، ومن المعلوم قطعًا أن كل عمل لا يقبل عند الله إلا بشرطين:

 1-     أن يكون العمل خالصًا لله.
2-     أن يكون موافقًا لهدي محمد  صلى الله عليه وسلم.
فإذا افتقد أحد الشرطين، فلا يُقبَل العمل عند الله.
فنحن من باب التسليم الجدلي نسلم أنكم جميعًا قصدتم الخير، فهل هذا يكفي في أن يكون العمل صحيحًا، وهو مخالف للشرع؟ أم لا بد من الموافقة الشرعية كمًّا وكيفًا وصفةً وهيئةً، بدايةً ونهايةً، في الأصل والفرع، في المكان والزمان؟!
ولا شك أن الثاني هو الجواب.
وإليك بعض الأدلة على ذلك:
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ». متفق عليه من حديث عائشة، وفي (صحيح مسلم): «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ».
و«مَنْ» مِنْ ألفاظ العموم، وهذا عمل، وهذا إحداث، فهو مردود.
وقد رُدّت بالفعل عبادة المبتدع، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله احتجز التوبة عن كل صاحب بدعة، حتى يدع بدعته». رواه الطبراني والبيهقي والضياء من حديث أنس رضي الله عنه.
فهذا متعبِّد، أجهد نفسه، وشمّر في عبادة ربه، ومع هذا لم يتقبل الله منه شيئًا من ذلك، مع حبه للأجور عند الله، وإخلاصه العمل، لكنه لم يبحث عن شرعيته.
فكلما تاب وَجَدَّ في التوبة، فهي مردودة عليه، مهما حسنت النية، وعظم المقصد، فلا يخرج صاحبه من أخطائه أبدًا.
وفي (الصحيحين) من حديث أسامة أنه قال: «تبعت ومعي رجل من الأنصار رجلاً من المشركين، فلما وجد أننا سنقتله قال: «لا إله إلا الله» فتأخر صاحبي، وضربته حتى برد، أي: مات، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «أقتلته بعدما قال: لا إله إلا الله»؟ قلت: يا رسول الله، إنما كان متعوِّذًا، فقال: «أشققت على قلبه؟ فكيف تصنع بـ «لا إله إلا الله» إذا جاءت يوم القيامة»؟ قال: فلم يزل يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ».
انظر: فهذا أسامة ما أراد إلا نصرة الإسلام، وهل أراد بذلك شرًّا؟ بلا شك: لا، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم لامه على فعله، ولم يعذره بحسن قصده.
ولأهمية هذا القصد ألّف العلماء الكتب الكثيرة في التحذير من البدع وأهلها.
والبدعة هي: التعبُّد لله بما لم يشرعه، ولا شرعه نبيه صلى الله عليه وسلم، وارجع إلى كتاب: «الاعتصام» للشاطبي، فقد أجاد وأفاد رحمه الله في الكلام على خطورة البدع، وبيّن أقسامها وشُعَبَها.
ولو فُتِح المجال لأصحابِ هذا القول: «أنا نيتي طيبة، ومقصدي حسن». لأدى إلى أن يقتل القاتل، ويقول: أنا نيتي طيبة، ويشرب الخمرَ الشاربُ، ويقول: أنا نيتي طيبة.
وهذا عمل قلبي ليس لنا قدرة على إثباته ولا نفيه إلا بدليل خارجي.
فالله عز وجل قد أرشدنا إلى الأخذ بظاهر الأمور، وهو يتولى السرائر، ولهذا قال عمر كما في «البخاري» وغيره: «إن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيرًا؛ أمناه، وقربناه، وليس إلينا من سريرته شيء، الله يحاسبه على سريرته، ومن أظهر لنا سوءًا؛ لم نأمنه، ولم نصدقه، وإن قال: إنّ سريرته حسنة».
فليس عندنا استعداد أن نقبل من يدعي صلاح قلبه، وعندنا أدلة واضحة على أن صلاح الظاهر دليل على صلاح الباطن، وفساد الظاهر دليل على فساد الباطن. قال صلى الله عليه وسلم: «إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلّه، وإذا فسدت فسد الجسد كله». متفق عليه من حديث النعمان.
ومن عُلِم منه الصلاح، فحصل أن زلّ بكلمةٍ أو فعلٍ، فهذا يحمل على حسن مقصده، ويبقى عليه تبعة العمل الذي زلّ فيه.
أما من عُلِم بالمخالفات الشرعية ولم يقبل الحق، فهذا لا يحمل هذا المحمل.
والذي يظهر أن قيادات الحركات الإسلامية يعرفون أن "الانتخابات" حرام، ولكنهم سائرون على ذلك مهما كانت الظروف. ونحن نحسن الظن بكثير منهم، أنهم أرادوا بذلك نصرة الإسلام، لكن كم من طالب للحق لا يدركه، ولا يعني ذلك أننا نتألى على الله، وندعي أن الله عز وجل يحرم فلانًا الأجر أم لا، إنما الذي يهمنا بيان الحكم الشرعي فيما نحن بصدده، أما الآخرة فالناس فيها عند حَكَمٍ عدل، لا يظلم الناس شيئاً.
لكن إذا أردنا حقًّا أن ننصر الإسلام، فخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، والله المستعان

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites