يقولون في قضية «الانتخابات»: هي مسألة اجتهادية.
فنقول لكم : ماذا تعنون بقولكم: إنها مسألة اجتهادية؟.
فإن قلتم: أي إنها مسألة جديدة لم تكن معروفة في زمن الوحي والخلفاء الراشدين. فالجواب من وجهين:
1- أن هذا يناقض قولكم السابق بأنها كانت في صدر الإسلام، فتذكّروا ما تقولون
وتكتبون، ولا تحملكم قناعتكم بفكرة، أن تقولوا قولاً لينفعكم في مجلس ما، ثم تحكمون عليه بالنقض في مجلس آخر، فلا يغرنكم عدم إدراك كثير ممن يسمعونكم لهذا التناقض، فإن في الزوايا بقايا.2- نعم، لم تكن هذه الطامات موجودة في زمن الوحي، وليس معنى ذلك أنه ما لم يكن موجودًا بذاته في زمن الوحي، أن يكون الأمر متروكًا فيه للاجتهاد، ولا ينكر فيه على المخالف، فالعلماء في هذا ينظرون لكل حدث جديدٍ، ويردُّونه إلى الأصول والكليات، ويعرفون الأشباه والنظائر ويحلقونها بها، ومن ثَمّ يلحقونها بالحكم الأول إباحةً أو حظرًا، إيجابًا أو تحريمًا، وما نحن فيه قد سبق بيان مفاسده.
وإن قلتم : هي مسألة اجتهادية بمعنى: أنه لم يرد فيها نص، فالجواب السابق شامل لهذا أيضًا.
وإن قلتم: هي مسألة اجتهادية بمعنى: أننا ندرك حرمتها، لكن نرى أن الدخول في ذلك يحقق مصالح لا تكون دون هذا الدخول، وأنتم أيها السلفيون ترون المفسدة في ذلك، فهي اجتهادية، بمعنى تحقيق المناط، وتطبيق الأحكام الشرعية على الواقع القائم. وهذا مجال تختلف فيه الأنظار، فلا ينكر على أحد.
قلت : ولو سلمنا بذلك لكان لهذا وجه قبل خمسين عامًا مثلاً، وذلك عند ابتداء فرض هذه الفكرة – فكرة النظام الديموقراطي – على بلاد المسلمين، فالأنظار تختلف في الشيء الجديد.
أمَّا أنّ المسلمين لهم قدر ستين عامًا يلهثون وراء ذلك، وما رجعوا إلا بخفي حنين، فهل نضرب بتجارب المسلمين خلال أكثر من نصف قرن عرض الحائط؟ ونعيد أذهاننا إلى الوراء ستين عامًا؟ فأين حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين». متفق عليه من حديث أبي هريرة.
وإن قلتم: إنها مسألة اجتهادية بمعنى: أنها نِزاعيّة بين العلماء وليست إجماعية.
فالجواب:
من المعلوم أنه ينكر على مخالف الإجماع الصحيح، لكن بقي تفصيل في مسائل الخلاف:
فمنها: ما هو ظاهر الحجة لأحد الطرفين، مع وجود مخالف لهذا الأمر الظاهر، فليس معنى ذلك إرخاء الحبل لمن أخذ بأي قول.
وكم هي المسائل الإجماعية بالنسبة للخلافية؟
وبطون الكتب طافحة بردود أهل العلم على بعضهم البعض، في مسائل لم تسلم من وجود مخالف فيها.
نعم، هناك مسائل خلافية تتجاذب فيها الأدلة، ولا يوجد وجه صريح أو ظاهر في الترجيح، فعند ذلك يتنزل قول أهل العلم: «المسائل الخلافية لا يتعين فيها الإنكار».
وألفت النظر في هذه العبارة إلى أمرين:
الأول: استقراء وتتبع المواضع التي ورد فيها هذا القول من أهل العلم: هل ورد ذلك في مسائل تُفضي إلى مثل تلك المفاسد السابقة؟ أم في مسائل دون ما نحن فيه؟
الثاني: قولهم: «لا تعين»، ليس معناه أنه لا يجوز، بل من سكت فلا إثم عليه، ومن أنكر بالشروط الشرعية في الإنكار، المفضية للمصلحة الشرعية، لا للمفسدة، فهو جائز، بل مستحب.
ثم إني أسأل سؤالاً آخر، فأقول: وهل أنتم – معشر القائلين بأنها مسألة اجتهادية، لا يُنْكَر فيها على المخالف – التزمتم بهذا القول مع إخوانكم طلبة العلم الذين أنكروا ذلك، ولم يشاركوكم في هذا؟ أم قلتم: «هم إخوان الاشتراكيين من الرضاع»؟! ومنكم من قوّى نسبتهم وصلتهم بالاشتراكيين فأطلق: أنهم اشتراكيون وعملاء للحكام، وغير ذلك من التهم التي لو عاملناكم بظاهر أعمالكم، وجازفنا كما تجازفون، لقلنا: إن هذه الفِرَى أنتم أحق بها وأهلها.
لكن يحملنا ديننا وخوفنا، من يومٍ تُنشر فيه الصحف، فتَبْيضُّ فيه وجوه، وتَسْوَدُّ وجوه، على عدم معاملتكم بالمثل.
والشكوى إلى الله - عز وجل -، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
0 التعليقات:
إرسال تعليق