الشبهة(3) : قالوا : يجوز الأخذ بجزئية من "النظام الجاهلي .



قولهم تحت عنوان : " موقفنا من النظم الأخرى " (ص19) من كُتيّب ( شرعية الانتخابات) : " ولكن هل يحرم أن نأخذ بجزئية من نظام جاهلي، وهذه الجزئية صحيحة ؟.
قالوا : يجوز ذلك، إن لم يتوجب عليك أن تأخذ بالجزئية الصحيحة النافعة المشروعة من مجموعة جزئيات تكوّن نظاماً يمكن أن نطلق عليه بمجموعه: "النظام الجاهلي".
قالوا: ودليلنا على ذلك شيئان:

الأول: هي مسالة الجوار، أي أن شخصاً يعلن أنه يجير فلاناً الفلاني، وبهذا الإعلان صار في حمايته، وهذا النظام أخذ به النبي صلى الله عليه وسلم، وأخذ به أصحابه، فقد رضي بجوار عمه أبي طالب، ودخل مكة بجوار مطعم بن عدي". أ هـ كلامهم.
والجواب :
هذه القصة لم تثبت، أخرجها ابن إسحاق مُعْضَلَة، وكل من ذكرها كابن هشام وابن كثير اعتمدوا على رواية ابن إسحاق، فهي غير صحيحة، مع أن قصة جوار أبي بكر مع ابن الدغِنّة ثابتةٌ في (البخاري) وغيره. فكان الأولى بهم – لو أنهم يهتمون بنظافة الأسانيد – أن يستدلوا بما صحّ، لا بما هو ساقط السند. وهذه ثمرة قولهم: "ليس هذا زمان: حدثنا وأخبرنا، ولا نشتغل بقول من قال: حديث صحيح أو ضعيف، فإن هذا تضييع وقت".
ونأتي إلى مناقشة هذا الاستدلال، وادعاء أن هذا أخذ بنظام جاهلي، فنقول:
هذا الاستدلال على جواز أخذ نظام "الانتخابات" وغيره مردود من وجوه:
الوجه الأول :
هذه القصة على فرض صحتها، لا تنطبق على مسألة "الانتخابات"، لا من قريب ولا من بعيد، فما هي علاقة قضية "الانتخابات" بجوار النبي صلى الله عليه وسلم عند مطعم بن عدي؟ ألسنا نحن في بيوتنا؟. لسنا مشرّدين بحمد الله، ولا مطاردين، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان مطارداً، بخلافنا.
هذا الاستدلال في غير موضعه، ولا صلة له بالموضوع الذي نحن فيه، وما أكثر الفساد في الدين إذا كان الفقه هكذا...!
الوجه الثاني:
على سبيل الافتراض جدلاً أن قضية الجوار المذكورة يستدل بها على جواز الدخول في "الانتخابات"، فهنا سؤال، وهو:
هل حصل أن الرسول صلى الله عليه وسلم تنازل عن شيء من الحق حين آواه مطعم بن عدي إلى جواره؟ أو ارتكب شيئاً من المفاسد السابقة؟.
الجواب: لا. فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم ما تنازل عن شيء من الحق. – هذا على فرض صحة القصة – فهل حصل من الذين دخلوا في "الانتخابات" تنازل عن حق أم لا؟.
الجواب: نعم . فقد تنازلوا عن أحكام كثيرة شرعها الله عز وجل، حرصاً على الوصول إلى مآربهم، وارتكبوا في سبيل ذلك كثيراً من المفاسد، كما سبق بيانها مفصلاً.
الوجه الثالث:
قولهم: "إنّ لنا أن نأخذ من أنظمة الكفر ما كان صحيحاً".
قلت: كلمة "صحيحاً" غير صحيحة، وأين الصحة من نظام "الانتخابات" الذي أخذتم به؟!.
أليس قد سبق أن قلنا: إن قبول نظام "الانتخابات" يوقع الآخذين له في مفاسد كثيرة، ومنها: الشرك بالله، - في كثير من الحالات- فما قيمة كلمة "صحيحاً؟ وهل يوجد في نظام الكفار قضية صحيحة، وليست موجودة في الإسلام، فيما يتعلق بما نحن بصدده من كيفية إقامة حكم الله في الأرض؟.
فالواقع يشهد أن ما عندنا في أي قضية من قضايا رعاية الحقوق، وإصلاح أحوال الناس، وإزالة الشرِّ، وتحقيق العدل، ونشر دين الله، هو أضعاف أضعاف، ما عندهم، قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} المائدة. وقال تعالى : {وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} البقرة. وقال تعالى:{ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمَْ} المائدة. وقال تعالى: { ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُون }  الجاثية.
فأخبر الله سبحانه وتعالى أنهم ليس عندهم إلا الهوى.
وعلى كلٍّ: فقد اتضح لنا من هذا كله؛ أن هذا تَقَوُّل على الله وعلى رسول صلى الله عليه وسلم وعلى الإسلام بدون علم وفقه، وأن سبب ذلك عدم رد المسائل إلى العلماء القادرين على إخراج الأمة من المزالق.
وأذكرهم بقول الله تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيل لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ } الحاقة.
أما الدليل الثاني الذي استدلوا به على جواز أخذ نظام جاهلي جزئي على حد زعمهم فنصه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (حضرت في بيت عبد الله بن جدعان حلفاً، قبل أن يكرمني الله بالنبوة، ما أود أن يكون لي به حمر النعم، اجتمعت بطون قريش، وتحالفوا على نصرة المظلوم بمكة، ولو دعيت لمثله لأجبت).
ووجه الدلالة : أن أولئك الذين اجتمعوا وكانوا ينتمون للنظام الجاهلي والعصبية الجاهلية، اجتمعوا على خصلة حميدة، وهي: تكاتفهم على نصرة المظلوم، فأجازها النبي صلى الله عليه وسلم وباركها". أ هـ، يُنظر كُتيّب (شرعية الانتخابات).
قلت: أما حديث شهوده صلى الله عليه وسلم حلف قريش فقد رواه أحمد والبخاري في (الأدب المفرد) والحاكم وصححه، وسكت عليه الذهبي، وصححه الشيخ الألباني في (السلسلة الصحيحة 4/524) وله شواهد أخرى عند الطبراني وغيره، فالحديث صحيح، وقد شهد هذا الحلف وأشاد به صلى الله عليه وسلم ، لكن: ما هو النظام الجاهلي الذي أخذه النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الحلف؟
الجواب: ما حصل أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ من هذا الحلف نظاماً واحداً، ولا قضية واحدة، فكيف جاز لهم أخذ نظام «ديموقراطي»؟ سواء أخذوا به كله أو ببعضه؟ والنبي صلى الله عليه وسلم ما أخذ شيئاً من نظام الكفر.
واُلخِّص الجواب على استدلالهم بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم بعض الأحلاف التي كانت في الجاهلية، بما يلي:
اختلف العلماء في حكم هذه الأحلاف، فمن قائل: إن هذه الأحلاف نسخها الإسلام، وأبدلنا الله عنها بإخوّة الدين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا حلف في الإسلام» رواه مسلم.
ومن قائل: إنها محكمة وباقية في نصرة المظلوم.
فعلى قول من يرى النسخ؛ فلا دليل لكم في هذا الإقرار لبعض أحلاف الجاهلية، وعلى قول من يرى أنها محكمة؛ فنسأل المخالف: هل ارتكب النبي صلى الله عليه وسلم أي مفسدة في إقراره لهذه الأحلاف؟ وهل تنازل عن شيءٍ من دعوته بسبب هذه الأحلاف؟
فإن قلتم: نعم، فبيّنوه لنا، وإن قلتم: لا، - وهو الصواب – فلماذا تستدلون به على نظام «الانتخابات» التي قد بيّنا الكثير من مفاسدها، ومن تنازلات مَنْ رفع لواءها.
ثم نسألكم: هل أنتم عندما قلتم: «إن أخذ جزئية نافعة صحيحة مشروعة من نظام جاهلي لا بأس بذلك»، اكتفيتم بهذه الجزئية النافعة على حد زعمكم، أم أخذتم النظام "الديمقراطي" ورضيتم بأن يكون تغيير المنكر – على حد زعمكم – من خلاله.
فأخبروني: ما هي بقية الجزئيات التي رفضتم الخضوع والرضوخ لها؟ حتى نقول: إنكم اقتديتم بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإن قلتم: نحن نكفر بحاكمية الشعوب، قلت: هذا كلام نظري، لكن ما بالكم سلمتم للأغلبية عمليًّا في المجالس النيابية.
أما الرسول صلى الله عليه وسلم - مع شهوده بعض الأحلاف النافعة، وإقراره لها – فإنه تبرأ من كل أمر يخالف الإسلام، ولم يمارسه، بل هجر أهله وأماكنه والأسباب المفضية إليه، ولكن هكذا فقه الخَلَف، فرحم الله السَّلف. 

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites