الشبهة(2) : قولهم : إن الانتخابات كانت في صدر الإسلام.




قالوا: "اُنتُخِب أبو بكر وبويع"، وذكروا "انتخابات" عمر وعثمان! راجع (ص15) من كُتيّب (شرعية الانتخابات!).
الجواب:
هذا الذي قلتموه ليس بصحيح، لأمور، منها: لقد اتضح للجميع أن "الانتخابات" تقوم على مفاسد كثيرة، وقد ذكرناها سابقاً، فحاشا الصحابة من أن يكونوا قد ارتكبوا
مفسدة واحدة من هذه المفاسد، فضلاً عن أن يكونوا قد فعلوا جميعها، فالصحابة اجتمعوا وتشاوروا: من يكون خليفة على المسلمين؟. وبعد الأخذ والرد، اتفقوا على مبايعة أبي بكر خليفة، ولم يشارك في ذلك امرأة واحدة، فكان ماذا؟!
وأبو بكر أوصى أن يكون الخليفة بعده عمر، فنفّذ الصحابة وصية أبي بكر، أما عمر فقد جعل الأمر شورى في "الستة الذين توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ"، وهم من العشرة المبشرين بالجنة.
فهذا هو الأمر الصحيح الثابت.
وأما عن استشارة عبد الرحمن بن عوف للنساء؟! فإليكم بيان الحق فيها:
هذه القصة أخرجها البخاري (7/61 مع الفتح)، وليس فيها ذكر استشارة عبد الرحمن للنساء. بل فيها: أن عبد الرحمن بن عوف قام بجمع الستة الذين جعل عمر الأمر فيهم، وهم :
عثمان ، وعلي، والزبير، وطلحة، وسعد، وعبد الرحمن - رضي الله عنهم-، والقصة تذكر هؤلاء الستة أنهم أهل الشورى دون غيرهم، وهي ثابتة صحيحة.
وذكرها الحافظ ابن حجر في (الفتح 7/69) والذهبي في (تاريخ الإسلام ص 303) وابن الأثير في (التاريخ 3/36) وابن جرير الطبري في (تاريخ الأمم والملوك 4/231)، وليس عند هؤلاء : أن عبد الرحمن -رضي الله عنه- استشار النساء، وإنما يذكرون: أنه استشار الرجال، كما قال الحافظ، وأنه دار تلك الليلة على الصحابة، وعلى من في المدينة من أشراف الناس، لا يخلو برجل منهم إلا أمره بعثمان، وهكذا عند البقية المذكورين.
تنبيه:
ذكر ابن كثير في (البداية والنهاية 4/151) استشارة عبد الرحمن للنساء، ولكن القصة كلها بدون سند عنده.
فعلى هذا التحقيق نستنتج أموراً :
1- صحة القصة، وهي في (البخاري) أن عبد الرحمن اجتهد في الستة فقط.
2- أنه أيضاً استشار أشراف الناس، ومن قدم من الأجناد، وهذه القصة سندها عند الطبري، ولها طرق يقوي بعضها بعضاً.

3- قصة استشارة عبد الرحمن للنساء، ليس لها سند، ومعنى هذا أنه: لا أصل لها، أي لا وجود لها بسند يصحّ في كتب السنّة، كما قاله أكثر من واحد من العلماء، كشيخ الإسلام ابن تيمية وغيره، ومما يدل على أن ذكر استشارة النساء لا أصل له: أن أهل التواريخ – كما ذكرنا آنفاً – لم يذكروها حتى بدون سند، باستثناء ابن كثير رحمه الله تعالى.
هذا نقد القصة من جهة سندها، أما من جهة متنها: فهي أيضاً مخالفةٌ لنصوص شرعية، فاختيار الأمراء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عن طريقه صلى الله عليه وسلم وعن طريق الصحابة في الاستشارة، كما حصل من أبي بكر وعمر في شأن: الأقرع بن حابس وعيينة، والقصة في (صحيح البخاري) وغيره، ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقام الصحابة باختيار الخليفة لهم، لم يطالب واحد منهم بمشاركة النساء في اختيار الخليفة، فضلاً عن أن يكون ذلك مشروعاً، كذلك جعل أبو بكر الأمر بعده لعمر، وعمر جعل الأمر في الستة المذكورين آنفاً.
فعلى فرض وجود سند لها – ولا يوجد – وعلى فرض صحته، فهي مخالفة لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة مِنْ قَبْلِ عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه-.
وعلى كل : فقد ظُلِم عبد الرحمن بن عوف عند أن نُسب إليه أنه يتعدّى ويخالف نصوصاً واضحة. ولكنه بريء من ذلك كما برئ الذئب من دم يوسف عليه السلام.
وعلى هذا: فلا يجوز أن تنسب هذه القصة إلى عبد الرحمن بن عوف، لأنها منكرة.
ثم لو سلّمنا جدلاً بأن عبد الرحمن بن عوف استشار النساء والصبيان، فالسؤال: هل استشار الفَجَرَة وأهل المُجُون والخلاعة من هؤلاء؟ أم استشار الصالحين: أهل الفهم والمعرفة؟.
فإن قلتم بالأول: سقطتم. وإن قلتم بالثاني؛ سقطت حجتكم، لأن محل النزاع في إباحة "الديمقراطية" هو أخْذُ الرأي من أهل المجون والخلاعة، واعتباره موازياً لرأي أهل العلم والفضل والاستقامة.
ومن المعلوم أن دولة الإسلام قد اتسعت رقعتها زمن عمر، فهل جَعَلَ عبد الرحمن أميراً مؤقتاً، ثم قسَّم ديار الإسلام إلى "دوائر انتخابية" ثم جمع أصوات المسلمين جميعاً، ثم رجّح من كثرت أصواته؟ أم أنه اقتصر على أهل المدينة مهبط الوحي، وفيها أهل الحل والعقد؟.
فأين هذا مما نحن فيه، وأين الثرى من الثريا ؟!!. 

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites