الشبهة(2): احتجاجهم بحديث " أنتم أعلم بأمور دنياكم " .



( تعتمد هذه الشبهة على الاستدلال الخاطئ بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "أنتم أعلم بأمور دنياكم" إذ قد قرر الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن المسلمين هم أعلم بأمور دنياهم، وبالتالي فإن الشريعة لا تتدخل في تحديد الأمور الدنيوية التي هم بها عالمون، ولما كان النظام السياسي –عند هؤلاء أمراً دنيوياً وليس أمراً دينياً- فإنه يمتنع أن تتدخل الشريعة في تحديده أو المجيء بتفصيل أحكامه 

ولكي نبين ما في هذه الشبهة من التلبيس والضلال نقول:
أما الحديث فصحيح قد أخرجه الإمام مسلم في صحيحه ولفظه عن طلحة رضي الله عنه قال: مررت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم على رءوس النخل فقال: "ما يصنع هؤلاء؟" فقالوا: يلقحونه، يجعلون الذكر في الأنثى فيلقح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أظن يغني ذلك شيئاً" قال: فأُخبروا بذلك فتركوه، فأُخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: "إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه، فإني إنما ظننت ظناً، فلا تؤاخذوني بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئاً فخذوا به، فإني لن أكذب على الله عز وجل".
وفي رواية عن رافع بن خديج قال: قدم نبي الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وهم يأبِرون النخل، يقولون يُلقِّحون النخل، فقال: "ما تصنعون" ؟ قالوا: كنا نصنعه، قال: "لعلكم لو لم تفعلوا كان خيراً" فتركوه فنفضت أو فنقصت، قال: فذكروا ذلك له، فقال: "إنما أنا بشر، إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأي فإنما أنا بشر".
وفي رواية عن أنس وعائشة رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم يلقحون، فقال: "لو لم تفعلوا لصلُح" قال: فخرج شيصاً، فمر بهم فقال: "ما لنخلكم؟" قالوا: قلت كذا وكذا، قال: "أنتم أعلم بأمر دنياكم".
فالعلمانيون ومن تبعهم أو تابعهم –وإن كان لكل منهم باعث مختلف عن الآخر- يريدون التوصل من خلال الفهم المحرف لهذا الحديث، إلى أن كل ما جاء في النصوص الشرعية متعلقاً بأمر من أمور الدنيا على جهة الأمر أو النهي أو غير ذلك، فإن تلك النصوص تصبح كأن لم تكن، وتدار أو يتم التعامل مع تلك الأمور الدنيوية من قبل الرأي البشري القائم على المصلحة أو التجربة على أساس أنها مسألة دنيوية، لا دخل للشرع فيها.
وهم بعد تقريرهم لتلك القاعدة الفاسدة، إذا أعياهم تأويل أو تحريف أي نص يتعلق بمسألة لهم فيها رأي مناقض للشرع، إذا أعياهم ذلك، قالوا: هذه من مسائل الدنيا وأمورها، وبالتالي فنحن أحق بها، ولا دخل للشريعة فيها! ومن تلك المسائل التي تعاملوا معها بتلك القاعدة الفاسدة : النظام السياسي فإنهم يقولون: هو من مسائل الدنيا التي نحن أعلم بها، وأحق بإبداء الرأي فيها.
والرد على هذه الشبهة من أربعة وجوه :
الوجه الأول : أن يقال: إن ما ذكرتموه لم يقله أحد من أهل العلم، بل هو مخالف لأقوالهم وما كان هذا سبيله فهو مردود على صاحبه، مرفوض غير مقبول، فقد بوب النووي على ذلك الحديث بقوله: "باب وجوب امتثال ما قاله شرعاً، دون ما ذكره صلى الله عليه وسلم من معايش الدنيا على سبيل الرأي".
وقال أيضاً في شرح هذه الأحاديث: "قال العلماء: قوله صلى الله عليه وسلم "من رأي" أي في أمر الدنيا ومعايشها لا على سبيل التشريع، فأما ما قاله باجتهاده ورآه شرعاً يجب العمل به، وليس إبار النخل من هذا النوع، بل من النوع المذكور قبله... قال العلماء: ولم يكن هذا القول خبراً، وإنما كان ظناً كما بينه في هذه الروايات، قالوا: ورأيه صلى الله عليه وسلم في أمور المعايش وظنه كغيره، فلا يمتنع وقوع مثل هذا، ولا نقص في ذلك، وسببه تعلق هممهم بالآخرة ومعارفها والله أعلم ".
فمما تقدم نقله عن أهل العلم يتبين أن مجال هذا الحديث إنما هو في "أمر الدنيا ومعايشها" ولم يذكر العلماء تلك العبارة مطلقة، بل قيدوها بما يبطل كل محاولات التأويل الباطل لهذا الحديث، فقد قيد العلماء "أمر الدنيا ومعايشها" بأن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قاله "على سبيل الرأي" أي أنه قاله "لا على سبيل التشريع" وهذا التقييد يعني أمرين:
الأول : أن الأمور التي يقال فيها : "أنتم أعلم بأمور دنياكم" هي تلك الأمور التي لم تتناولها الأدلة الشرعية تناولاً عاماً أو تناولاً خاصاً، أو الأمور التي تناولتها السنة لا على سبيل التشريع وإنما على سبيل الرأي فقط.
الثاني : أن الأصل في كل ما تناولته النصوص الشرعية –ولو كان متعلقاً بأمر الدنيا أو المعاش أو غيره- أن يكون على سبيل التشريع إلا أن يدل الدليل أو القرينة على خلاف ذلك ويؤيد هذا الكلام أيضاً أمران:
أ- تصرف الصحابة في القصة المذكورة حيث امتنعوا من تأبير النخل –رغم خبرتهم السابقة عن أهمية ذلك التلقيح علاوة على أنه أمر أمور المعايش الدنيوية- وذلك لما لم يظهر لهم دليل أو قرينة تبين لهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ما قال على غير سبيل التشريع، وهذا يعني أنهم رضي الله عنهم يتعاملون مع أقواله صلى الله عليه وسلم -ولو كانت في أمور المعايش- على أنها على سبيل التشريع حتى يأتي من الدليل الشرعي ما يبين أنها على غير سبيل التشريع.
ب- طريقة صياغة العلماء للعبارات السابقة، فإنها واضحة كل الوضوح في أن الأصل في كل ما جاء في النصوص الشرعية إنما يتم التعامل معه على أنه جاء على سبيل التشريع، ولذلك احتاج هؤلاء العلماء أن يقيدوا الأمور التي لا يجب على المسلمين امتثالها من معايش الدنيا، بأنها التي جاءت "على سبيل الرأي" أو "لا على سبيل التشريع" وهذا يعني أن النصوص التي جاءت في معايش الدنيا أو غيرها ولم تظهر قرينة أو دليل يبين أنها جاءت على سبيل الرأي أو لا على سبيل التشريع فإنه يتم التعامل معها على أنها نصوص تشريعية يجب امتثالها.
الوجه الثاني : أن يقال إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يذكر الكلام في عدم تأبير النخل مطلقاً من كل قيد، حتى يقال: إن ما تناولته النصوص الشرعية مطلقاً من القيود وهو من أمور الدنيا فإن الشرع يترك –في هذه الحالة- ويرجع في تلك الأمور الدنيوية إلى أهل الدنيا.
فالرسول صلى الله عليه وسلم-كما هو بُيِّن في الحديث- لم يأمرهم أمراً مطلقاً، أو لم ينههم نهياً مطلقاً -أي بعبارة أخرى لم يكن ما صدر منه على سبيل التشريع- وألفاظ الحديث ورواياته المتعددة تدل على ذلك، وإن كان من سمع هذا الموضوع من الصحابة رضي الله عنهم قد غلبوا جانب التشريع. فقد جاء في ألفاظ الحديث ورواياته: "ما أظن يغني ذلك شيئاً" وجاء "لعلكم لو لم تفعلوا كان خيراً"، مما يبين أن الرسول صلى الله عليه وسلم يتحدث عن ظن أو خبرة دنيوية لا علاقة لها بالتشريع، ولذلك لما غلَّب بعض الصحابة رضي الله عنهم جانب التشريع في ذلك، بين لهم الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لم يرد ذلك وأن كلامه السابق لا يدل عليه، ولذلك قال لهم معقباً على تصرفهم إزاء مقالته السابقة: "فإني إنما ظننت ظناً، فلا تؤاخذوني بالظن" وقال: "إذا أمرتكم بشيء من رأي فإنما أنا بشر"، وقال: "أنتم أعلم بأمر دنياكم" فالروايات كلها في مبتداها ومنتهاها متضافرة على أن ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم للصحابة كان من قبيل الرأي المتعلق بأمور المعاش القائم على الخبرة البشرية التي قد يتاح منها لبعض الناس ما لا يتاح لغيرهم، ولم يكن كلاماً على سبيل التشريع، وإذا تبين ذلك، فقد بطل قولهم في أن النصوص الشرعية المتعلقة بأمور الدنيا، لا يعول عليها، ولا يرجع إليها، وإنما يرجع في مثل هذه الأمور إلى أهل الدنيا والمعرفة بها.
الوجه الثالث : أن يقال إن "أمر الدنيا" الذي عناه الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه، هو تأبير النخل فلا يقاس عليه إلا ما جرى مجراه وكان على شاكلته، وهو الخبرة العملية المتعلقة بشأن من الشئون المباحة التي لم يتعلق بها الخطاب الشرعي لا أمراً ولا نهياً، وليس المراد بذلك كل أمر متعلق بالدنيا، لأنه قد جاءت نصوص شرعية كثيرة في أمور الدنيا، وقد تعلق بها الخطاب الشرعي أمراً ونهياً، فكانت بذلك موكولة إلى الشرع يبين حلالها وحرامها وما يصح منها وما لا يصح إلى غير ذلك من تفاصيلها المطلوبة، ولم تكن موكولة إلى المسلمين –أو إلى غيرهم- يجتهدون فيها أو يعملون فيها بمقتضى عقولهم أو مصالحهم أو أهوائهم، والنظام السياسي وتفاصيله قد تعلق به الخطاب الشرعي أمراً ونهياً وتخييراً، فكان بذلك من النوع الموكول إلى الشرع يبين أحكامه وتفاصيله، ولم يكن من النوع الأول الذي وُكل إلى الخبرة البشرية حيث لم يتعلق به الخطاب الشرعي.
 وبذلك تسقط دعاوى العلمانيين ومن تابعهم في تحريف هذا الحديث للوصول إلى إخراج النظام السياسي من الدخول تحت ولاية الشرع.
وأما الأدلة على تعلق الخطاب الشرعي أمراً ونهياً وتخييراً بأمور الدنيا، فأشهر من أن تذكر، وأكثر من أن تحصر في هذا الكتاب، لذلك نشير إلى جمل من ذلك فقط، فعلى سبيل المثال:
-  عيادة المريض، هو أمر اجتماعي يمس علاقات التواصل والألفة بين الناس، ومع ذلك فقد تعلق به الخطاب الشرعي أمراً وتحريضاً: منه قوله صلى الله عليه وسلم: "عودوا المريض"، ومنه قول البراء بن عازب : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع.. الحديث وفيه "وأمرنا أن نتبع الجنائز ونعود المريض ونُفشي السلام".
-  وعلى سبيل المثال: الطب والدواء، فهو أمر من المصالح والمنافع التي يحتاجها الناس، وهو أيضاً أمر للخبرة فيه دخل كبير، ومع ذلك فقد تعلق به الخطاب الشرعي، وانظر في ذلك كتاب "الطب" أو كتاب "المرضى" في صحيح البخاري وغيره من كتب السنة، وعلى سبيل المثال فقد جاء قوله صلى الله عليه وسلم: "الشفاء في ثلاث: شربة عسل، وشرطة محجم، وكية نار وأنهى أمتي عن الكي" ففي هذا الحديث يبين الرسول صلى الله عليه وسلم بعض الأدوية النافعة في العلاج، ثم ينهي عن بعضها، وهذه الأمور هي من الأمور الدنيوية، ولكن مع ذلك قد تعلق بها الخطاب الشرعي . حتى إنه عندما أشار الرسول صلى الله عليه وسلم باستعمال العسل شفاءً من داء استطلاق البطن، وأخذ المريض الدواء، فازداد بطنه استطلاقاً، ورجع الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث كما قال في حديث تأبير النخل :"أنتم أعلم بأمر دنياكم"، وإنما قال لمخبره: اسقه عسلاً، فسقاه فازداد استطلاقاً، فرجع إليه وقال: لقد ازداد بطنه استطلاقاً، فقال صلى الله عليه وسلم -مصراً على مقالته الأولى- اسقه عسلاً، فسقاه فجاءه الرجل المخبر- وكان أخاً للمريض- وأخبره بعدم الشفاء، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم- مؤكداً على مقالته الأولى ومحتجاً لها- "صدق الله وكذب بطن أخيك، اسقه عسلاً، فسقاه فبرأ" والحديث أخرجه البخاري في كتاب الطب ومسلم وغيرهما .
يقول ابن تيمية رحمه الله: "التشريع يتضمن الإيجاب والتحريم والإباحة، ويدخل في ذلك ما دل عليه من المنافع في الطب، فإنه يتضمن إباحة ذلك الدواء والانتفاع به، فهو شرع لإباحته، وقد يكون شرعاً لاستحبابه ؛ فإن الناس قد تنازعوا في التداوي.. والتحقيق أن منه ما هو محرم ومنه ما هو مكروه ومنه ما هو مباح، ومنه ما هو مستحب وقد يكون منه ما هو واجب".
وعلى سبيل المثال أيضاً: اللباس والزينة، ما يلبس المرء ومالا يلبس وتفاصيل كثيرة متعلقة بذلك هي من الأمور الدنيوية، ومع ذلك فقد تعلق بها الخطاب الشرعي، بحيث يبين ما يجوز لبسه وما لا يجوز، ويبين كيفيات اللباس المباحة والممنوعة إلى غير ذلك من التفاصيل، ومن أراد التفاصيل فليطلع في كتب السنة على أحاديث كثيرة مجموعة تحت اسم "كتاب اللباس والزينة".
وعلى سبيل المثال أيضاً: كراء الأرض الزراعية بتفاصيلها المختلفة سواء كانت الأرض مشجرة أو غير مشجرة، وسواء كان الإيجار بمال، أو بغلة جزء معين من الأرض وغير ذلك من التفاصيل قد تناولها أيضاً الخطاب الشرعي، ولينظر الناظر في تفاصيل ذلك في كتاب المساقاة والمزارعة وكراء الأرض في كتب السنة وكل هذا من الأمور الدنيوية.
وعلى سبيل المثال أيضاً مسائل البيع والشراء، والربح والدين، والرهن، وما يتعلق بذلك من التفاصيل الكثيرة التي لا يتسع المقام للحديث عنها تعلق بها الخطاب الشرعي مع أنها من أمور الدنيا.
فكل ما ذكرناه، وما لم نذكره من هذه الأمور، هو من الأمور الدنيوية، ومع ذلك فقد تعلق بها الخطاب الشرعي أمراً أو نهياً وتفصيلاً وبياناً، ولو صدق كلامهم في فهم الحديث "أنتم أعلم بأمر دنياكم" لانطبق كلامهم ذاك على ما تقدم ذكره من الأمثلة، ولأدى هذا إلى إخراج كثير من الأمور من الخضوع للأحكام الشرعية، ولأدى ذلك أيضاً إلى هدم الدين وتبديل أحكام الشريعة ؛وهو أمر باطل باتفاق أهل العلم، وما استلزم الباطل فهو باطل فيكون فهمهم للحديث باطلاً.
 ومن كل ما تقدم يتبين أن قوله صلى الله عليه وسلم: "أنتم أعلم بأمر دنياكم" لا يتعارض مع النصوص الشرعية التي جاءت متعلقة بأمور الدنيا، وبالتالي فإنه لا يمكن أن يستفاد من ذلك الحديث أن المسائل المتعلقة بالنظام السياسي هي من الأمور المتروكة للبشر، وذلك لأن النظام السياسي جاءت في شأنه نصوص شرعية من الكتاب والسنة عامة وخاصة تبين وتفصل الأحكام المتعلقة به.
الوجه الرابع : أن يقال ما هو الضابط الذي تعتمدون عليه في التفريق بين "أمر الدنيا" الموكول للبشر وبين "أمر الدين" الموكول إلى الشريعة؟ حيث إنكم لم تقدموا ضابطاً صحيحاً تفرقون به بين "أمر الدنيا" و"أمر الدين" فأنتم لستم تتبعون أو تتعلقون في قولكم: هذا من أمر الدنيا، وذاك من أمر الدين بنص شرعي، أو بكلام لأحد من أئمة العلم المعروفين لا قديماً ولا حديثاً، وإنما أنتم تتبعون في تفريقكم الباطل من قلدتموهم من أهل الغرب أو الشرق الكافر الذين فصلوا الدولة عن الدين أو الدنيا عن الدين، إذ كما هو معروف مشهور عندما تسلطت الكنيسة على الناس بالباطل، وحدث بين ممثلي الكنيسة من جانب والناس من جانب مناوشات وصراع مرير طويل، انتهى الأمر بعزل الكنيسة عن التدخل في أمور الدنيا أو الدولة، وقُصر تدخلها أو قُصِرت صلاحيتها على التوجيه الروحي والوصايا الأخلاقية، وبعد هذا الوضع النهائي للكنيسة عندهم، أصبحت "أمور الدين" -عندهم- محصورة في علاقة الفرد بربه، وما يتصل بذلك من عقيدة الإنسان في ربه، وأنواع القرب التي يتقرب بها إليه لينال رضاه من غير أن يكون لتلك العلاقة أي بعد أو أثر خارج دائرة الفرد نفسه.
كما أصبحت "أمور الدنيا" تعني –عندهم- كل ما يتصل بحياة الفرد والجماعة داخل المجتمع، وما يترتب على ذلك من أنظمة وعلاقات ومعاملات وقوانين.
وقد تم الفصل الكامل بين هاتين الدائرتين: دائرة "أمور الدنيا"، ودائرة "أمور الدين"، وترتب على ذلك أن الدين –عندهم- أصبح محصوراً في نطاق الإنسان الفرد وحده، أو في داخل الكنيسة حيث يؤدي هؤلاء ما يعتقدون أنه من الدين عندهم، حتى إذا خرجوا من تلك الكنائس إلى واقع الحياة لم يكن للدين أدنى سلطان على تنظيم الحياة وقيادتها إلا ما كان من بعض الوصايا أو العظات الخلقية غير الملزمة ؛ لأن ذلك خارج عن نطاقه وصلاحياته.
بينما أمور الدين تشمل عند المسلمين كل ما تعلق به الخطاب الشرعي أمراً أو نهياً أو خبراً، فما تعلق به الخطاب على وجه الأمر فيكون من الدين فعل المأمور به، وما تعلق به الخطاب على وجه النهي فيكون من الدين اجتناب المنهي عنه، وما تعلق به الخطاب على جهة الخبر، فيكون من الدين تصديق ما أخبر به.
ومن المعلوم البين الذي لا يحتاج إلى كبير بيان أو إيضاح أن الخطاب الشرعي قد تعلق على جهة الأمر والنهي بالأمور أو المسائل التي تتناول حياة الفرد أو الجماعة داخل المجتمع مما يطلق عليه أنه من الأمور الدنيوية وهي في الوقت نفسه مما يطلق عليه أنه من أمور الدين وذلك لتعلق الخطاب الشرعي به.
إذن فتعريف هؤلاء لأمر الدنيا، وما ترتب عليه من إخراج النظام السياسي في الإسلام من أمور الدين رغم تعلق الخطاب الشرعي به وإدخاله في أمور الدنيا التي لا دخل للشرع فيها، هو أمر مأخوذ أصلاً من طبيعة العلاقة بين الدين النصراني المحرف وبين الفكر العلماني، وغنى عن البيان أن ما كان كذلك فلا يصح أن يكون حجة في دين المسلمين ).




0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites